سورة الفلق مكية، وفيها تعليم للعباد أن يلجأوا إلى حمى الرحمن، ويستعيذوا بجلاله وسلطانه، من شر مخلوقاته، ومن شر الليل إذا أظلم، لما يصيب النفوس فيه من الوحشة، ولإنتشار الأشرار والفجار فيه، ومن شر كل حاسد وساحر، وهي إحدى المعوذتين اللتين كان صلى الله عليه وسلم يعوذ نفسه بهما.
اللغة :
[ الفلق ]
الفلق: الصبح تقول العرب: هو أبين من فلق الصبح، وأصله من فلق الشيء أي شققته، فكل ما إنفلق من شىء، من حيوان، وحب، ونوى، فهو فلق، ومنه " فالق الإصباح "، قال ذو الرمة: " حتى إذا ما انجلى عن وجهه فلق " أي انجلى الصبح عن وجهه
[ غاسق ]
الغاسق: الليل إذا إشتد ظلامه، والغسق أول ظلمة الليل يقال: غسق الليل أي أظلم، قال الشاعر: إن هذا الليل قد غسقا وإشتكيت الهم والأرقا.
[ وقب ]
دخل بظلامه، والوقوب: الدخول
[ النفاثات ]
النفث: شبه النفخ دون تفل بالريق، فإذا كان معه ريق فهو التفل، قال عنترة: فان يبرا فلم أنفث عليه وإن يفقد فحق له الفقود
التفسير :
[ قل أعوذ برب الفلق ]
أي قل يا محمد إلتجىء وأعتصم برب الصبح، الذي ينفلق عنه الليل، وينجلي عنه الظلام، قال ابن عباس: [ الفلق ] الصبح كقوله تعالى [ فالق الإصباح ] وفي أمثال العرب: هو أبين من فلق الصبح، قال المفسرون: سبب تخصيص الصبح بالتعوذ، أن إنبثاق نور الصبح بعد شدة الظلمة، كالمثل لمجيء الفرج بعد الشدة، فكما أن الإنسان يكون منتظرا لطلوع الصباح، فكذلك الخائف يترقب مجىء النجاح
[ من شر ما خلق ]
أي من شر جميع المخلوقات، من الإنس، والجن، والدواب، والهوام، ومن شر كل مؤذ خلقه الله تعالى
[ ومن شر غاسق إذا وقب ]
أي ومن شر الليل إذا أظلم، وإشتد ظلامه، فإن ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإنس والجن، ولهذا قالوا في المثل: (الليل أخفى للويل)، قال الرازي: وإنما أمر أن يتعوذ من شر الليل، لأن في الليل تخرج السباع من آجامها، والهوام من مكانها، ويهجم السارق والمكابر، ويقع الحريق، ويقل فيه الغوث
[ ومن شر النفاثات في العقد ]
أي ومن شر السواحر اللواتي يعقدن عقدا في خيوط، وينفثن -أي ينفخن- فيها ليضروا عباد الله بسحرهن، ويفرقوا بين الرجل وزوجه [وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله] قال في البحر: وسبب نزول المعوذتين قصة " لبيد بن الأعصم " الذي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مشط ومشاطة وجف - قشر الطلع -طلعة ذكر، ووتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة، مغروز بالإبر، فأنزلت عليه المعوذتان، فجعل كلما قرأ آية إنحلت عقدة، ووجد في نفسه خفة صلى الله عليه وسلم، حتى إنحلت العقدة الأخيرة فقام فكأنما نشط من عقال
[ ومن شر حاسد إذا حسد ]
أي ومن شر الحاسد الذي يتمنى زوال النعمة عن غيره، ولا يرضى بما قسمه الله تعالى له، وإنما اختصت هذه الأمور الأربعة بالإستعاذة، لأمر أهم الذنوب التي ينبغي التحذير منها، وهي المهلكة للإنسان، وهي من الكبائر (الإضرار بالخلق، والسعى بالإفساد في الأرض، والسحر، والحسد) وكفى بها جرائم، ينبغي أن يستعيذ منها المؤمن!
البلاغة :
تضمنت السورة الكريمة وجوها من البديع والبيان نوجزها فيما يلي :
1- الجناس الناقص بين [ فلق ] و[ خلق).
2- الإطناب بتكرار الإسم [ شر ] مرات في السورة [ من شر ما خلق ] [ ومن شر غاسق ] [ ومن شر النفاثات ] إلخ تنبيها على شناعة هذه الأوصاف.
3- ذكر الخاص بعد العام للإعتناء بالمذكور [ من شر ما خلق ] فإنه عموم يدخل تحته شر الغاسق ، وشر النفاثات ، وشر الحاسد.
4- جناس الإشتقاق بين [ حاسد ] و[ حسد).
5- توافق الفواصل مراعاة لرءوس الآيات