[center]
♥أخذَ البرقُ والرعدُ يَشُقَان بدوَّى هَائِلٍ أرجَاءَ السمَاءِ التِّى تكدْستْ بجمُوعٍ مِنْ
سُحبٍ دَاكنةٍ ، أخذتْ تزحفُ علَى القمرِ رُويدَاً رُويدَاً حتَّى ابْتلعتَهُ فِى أعمَاقِهَا ،
وابْتلعتْ مَعهُ ضوءَه ، فسَادَ ظَلامٌ دَامِسٌ علَى أرجَاءِ المكَانِ إلا مِنْ ضوءِ البْرقِ
والرعدِ ، وأخذَ ضبَابٌ أسودٌ يَحُولُ سيُولَ المطرِ المُنهمِرَة مِنْ أعمَاقِ السمَاءِ عَنْ
الوُصُولِ إلَى الأرضِ ، لَكنْ سيُولُ الأمطَارِ لَمْ تُقْهرْ أمَـامَ الضبـَابِ ، فثقْـبتَـهُ
وتجَاوزتَهُ إِلَى الأرضِ و .....
وبللتْ مَلابسِى ، وأنَا أعدُو بكُلِ قُوتِى علَى شَاطئِ البحرِ الخَالِ مِنْ الأنَامِ فِى هَذِّهِ
السَاعةِ بِلا هَوِّيّةٍ ، وبِلا هَدفٍ أنشُدُهُ ، تُسَاعِدُنِى رِيَاحٌ هَوجَاءٌ علَى ذَلِك ، وثَارَ
البْحرُ في وجهي ، وكأنّهُ يُبْدِى غَضبَهُ وسُخطَهُ علَى مَا فعلتَهُ ، ولازِلتْ أفعلُهُ
بنفسِى .... ضممتُ يَاقةَ معطفي إلىّ ، علّهَا تحميني مِنْ سِيُولِ الأمطَارِ ، وإِنْ
حَمتْنِى ، فَمَا وَمَنْ يحمِى أعمَاقِى مِنْ سِيُولِ الجِرَاحِ ، إِنْ لَمْ تَجِدْ تَجِدْ الأمطَارُ
فِى الضبَابِ عَائقَاً لهُطُولِهَا ، فجِرَاحِى ودُمُوعِى ذَوَّبَا صَلابْتِى ، ونفذَا في رَوحِى
كَمَاءٍ مَسكُوبٍ مِنْ دُونِ قَصدِ !! ....
كَيفَ كَانتْ رغبتِى فِى الصِرَاخِ تَجْتَاحُ كَيَانِى ، وَلَكنِّى كعَادتِى أبْيتُ حَتَّى أَنْ يَصدِرَ
لهَا صَوتٌ ! .....
كَمْ مِنْ الجِرَاحِ يُصِيبُهَا الهوَى ، وأعُودُ أنَا إليّهِ بذُلٍ وَقهرِ ؟! ، فيَاعجبِى علَى قلبٍ
إذَا مسَّهُ الهوَى ، مَالَ واحتجب وخَلفَ أبوَابِهِ هَوَى ، مُستصرخَاً بَاكِيَاً مَنْ يأخذُ
بيدىّ ؟؟ ، مَنْ يقْصُ جِذُورَ مَا الهوَى روَى ؟! .... مَن يأخذُ بيدىّ مِنْ بحرٍ ليسَ
لَهُ قرَارٌ إلا اللوَى ؟!! .....
بدَايتُهُ حِيرةٌ وعذَابٌ ، نهَايتُهُ حُرقةٌ وَفِرَاقٌ ، ووسَطُهُ ضَيَاعٌ وَوهمٌ وَسرَابٌ ،
وَبِحَارُ دمُوع .... إِنْ أرقْصَ قلبَك وَهلَة ، فَلا يَلبْثَ أَنْ يُغرسَ فِيهِ سَهمٌ يَنتَزِعُهُ
مِنْ مَوضعِهِ ، وَيُلقِى بِهِ بَعِيدَاً ، بِلا رَحمةٍ أوّ أدْنَى شَفقةٍ !! ....
أفَيهوَى الهوَى قلبِى ؟! ..... إِنْ هُوَ غَابَ عَنْ قلبِى ، فإذَا بِهِ إليّهِ يَعُودُ مُلقْيَّأً
نفسُهُ فِى أرجَائِهِ ! ..... مُقْبْلاً إيَّاه .... هَامسَاً : كَمْ أفتقِدُ ؟!!! .......
أََوجْدَ فِى قلبِى غِذَاؤُهُ ، وَشرَابُه ؟! .... أوجْدَ فِيهِ حيَاتُه ؟!! ..... لِمَاذَا ،
لِمَاذَا أيُّهَا القلبُ ؟! .... لِمَاذ أتستلِّذُ عَذَابَه؟! .... لِمَاذَا تُنَادِيهِ إِنْ غَابَ عنكَ ؟!..
أنتَ آيضَاً تهوَاه .... لا ، بَلْ تعشقُهُ ! .....
فَيَاعجبِى علَى قلبٍ إِنْ غَابَ عَنْهُ الهوَى ، أصبْحَ كطللٍ قَدِيمٍ مهجُورٍ ، يُعَانِى
الوِحدةَ والسكُون ، وأصبْحتْ نَبْضَاتُهُ الوَاهِنة آآآهَاتٍ دَفِينَة !! .....
آهَاتٍ حَزِينة .... فَإذَأ بِهِ يَجُوبُ الرضَ بحثَاً عَنْه .... عَنْ مَنْ سَكنَ قَلبَه ثُمَّ
هَجرَه .... مُتسَائِلاً والدمُوع تقطرُ دْمَاً : (( لِمَاذَا هجرتنِى ؟!! ... لِمَاذَا ؟؟ )) ...
أَوجْدَ وَطَنَهُ بقلبٍ غَيرَ قلبِى ؟!! ....
لا ، مُستحِيل ، إنَّ قلبِى ليعلَمَ أنَّهُ هُوَ النهرُ الذِى يَستَمِدُ مِنْهُ الهوَى مَاءَه ،
لِيروِى ظمأَ البْشرَ أَجْمعْ ، فَإنْ غَابَ ، فَقَدْ غَابَ لِيروِى ظَمَأَ مُشتَاقٍ ، ولَسوفَ
يعُود إن شاء الله ( سبحانَهُ وتعَالَى ) .....
وَلكنّهُ لَنْ ينتظِرَهُ حَتَّى يأتِىَّ ، إنّهُ يَجُوبُ الأرضَ بحثَاً عَنْه ، فِى عُيُونِ البْشرِ ،
فِى تَنهِيدَاتِهِم ، فِى همسَاتِهِم ، وحتَّى فِى سُكُونِهِم ، وصمتِهِم .....
أينَ أنتَ يَارفِيقِى ؟!! ..... أينَ أنتَ يَاقرِينِى ؟؟!! ..... أينَ أنتَ يَاروّحِى ؟! ....
كَمْ اشتقتُ لعذَابِك ؟! .... كَمْ اشتقتُ لليلِكَ الدَامِى ؟! .... كَمْ اشتقتُ لأنهَارِ
دمُوعِك ؟! .... آهٍ ، وآهٍ ، وألفِ آه .....
هَا هُوَ ذَا الهوَى ، إِنْ قلبِى ليسمعَ نبرَاتِهِ ، إنّهُ يرَاهُ مُهروِلاً إليّهِ ، لَقَدْ جَاء ...
وتصَاعدْتْ دقَاتُ قلبِى ، وتصَاعدْتْ .... لَقَدْ جَاء .... آخِيرَاً .... جَاءَ مُلقِيَّاً
بنفسِهِ فِى أرجَائِهِ كعَادْتِهِ .... و ....
كَمْ أفتقِدُك ؟! ... أينَ كُنتْ ؟! .... _ وازدَادتْ الأمطارُ هُطُولاً _ ....
مَهلاً .... مهلاً عَلىَّ أيُّهَا القلبُ الشقْىّ ؟! .... ألَمْ تَشكُو دَومَاً مِنْ عذَابِى ؟! ....
ألَمْ تشكُو دَومَاً مِنْ مُرَافقْتِى لَك ؟! ... ألَم تَبْكِ دَومَاً مِمَّا تَظُنُّنِى أُسبْبُه لَك ؟! ...
ألَمْ تشكُ مِنْ حِيرتِى وسُؤَالِى ؟! .... ألَمْ تشكُ حرِّ أشوَاقِى ؟! .... ألَمْ تشكُ دَومَاً
مِنْ بَردِ قسوتِى ؟! .... حَسنَاً ، لَقَدْ ، ذَهبْتُ أبحثُ عَنْ قلبٍ لا يشكُو مُرَافقتِى لَهُ ،
وِلَكنِّى ........))
لكنَّكَ لَمْ تَجِدْهُ ، أعلمُ إنّكَ لَمْ تَجِدْهُ .... وَهلْ يُوجَدْ قلبٍ لا يشكُو الهوَى ؟!! ....))
لِمَاذَا إذَاً تشتَاقُ دَومَاً إليّ؟! .... لِمَاذا تُرِيدُنِى دَومَاً أَنْ أظلَّ فِى كَنفِكَ ؟! ....
لِمَاذَا ؟ .... لِمَاذَا ؟! .... ))
بكَى قلبِى ، وَدمُوعُه تختلِطُ بدمُوعِ السُحبِ قَائلاً : (( لا أعلم ، لا أعلم ، لا
تسألنِى عَنْ سبْبِ هوَاك .... أنتَ السبْبُ فِى ذَلِك .... أنتَ الذِّى جعلتنِى أعشقُكَ
وأُدْمِنُ هوَاك ..... ))
أَنَا .... كَيف ؟! ..... كَيفَ ذَلِك ؟! .... ))
نَعْم ، أنتْ _ والألمُ يعتصِرُ قلبِى _ .... أتذكُرُ أوَلَ مرةٍ ذهبْتْ بِى إلَى ذَلِكَ
العَالمِ ؟ ... أتذكُرُ عِندمَا أريّتَنِّى حَلاوتَه ؟ ... كَمْ هُوَ جَمِيلٌ ؟! كَمْ هُوَ رَائِعٌ ؟! ))
تَنهّدَ الهوَى قَائِلاً فِى شُرُودٍ مُوحِى بحُزنٍ دَفِينٍ : (( وَلكنِّى ، آيضَاً أريّتُكَ عذَابَه..)
نَعْم ، كَمْ هُوَ قَاسِى ؟! .... وَلكنِّى افتقِدُهُ ، كَمْ افتقِدُهُ !!! .... ))
لا ذَنبَ لِى فِى ذَلِكَ ، إذنْ ! ))
أطرقَ قلبِى صَامتَاً ، ثُمَّ قَالَ فِى وَهنٍ وَحُزنٍ شَدِيديّن : (( ألَنْ تأتِى إذنْ معِى ؟..))
صَمَتَ الهوَى وَلَمْ يُجِيبْ ، فَعَادَ قلبِى يَصرُخُ فِى جُنُونٍ مُكررَاً : (( ألَنْ تأتِ ؟! ..
ألَنْ تأتِى ؟! .... ))
وبكَى ، وبكَى ، واشتدَّ البحرُ ثورَانَاً فِى هَذِّهِ الحظةِ عِندْمَا اخترقْتْ نَبْضَاتُ قلبِى
جُدْرَانَه ، واختلطتْ الدمُوعُ بالأمطَارِ التِّى أخذتْ تُحَاوِلُ أَنْ تُطْفأَ بَعضَ لَهِيبِهَا علَى
وِجْنَتىّ ....
بكَى قلبِى ، وَهُوَ يُشَاهِدُهُ يَرحلُ ..... وَهُوَ يَسمعُ أصوَاتِ خُطْوَاتِهِ تَبْتعِدُ ، وتبْتَعِدُ
مُخلّفَاً وَرَاءَهُ صَمتاً مُهِيبَا ....
لَمْ يَلبثْ أَنْ قَطْعَهُ نَحِيبُ قَلبِى ،، وانفِطَارُهُ مِنَ البُكَاءِ ، وَانفِجَارُهُ ، حَتَّى تنَاثرتْ
شَظَايَاهُ فِى أعمَاقِى ، فسَادَ صَخِيبٌ هَائِلٌ ، ثُمَّ سَادَ صَمْتٌ تَام ..... صَمْتٌ رَهِيبٌ..
صَمْتٌ يُعلِنُ عَنْ إنتصَارِ الهوَى .....
وَلمحتُ بِطرفِ عَينِى عَلَمٌ أبْيّضٌ يَعلُو فِى أعمَاقِى وَيُرفرِفُ .....
وَفجْأةٌ ، قْطَعَتْ ضَحِكَةٌ مُجْلّجلَّة حَبْلَ الصَمْتِ ثَانيةً .... ضَحِكَةٌ انطَلَقَتْ مِنْ أعمَاقِ
الهوَى .... ضَحِكَةٌ غَامِضَةٌ ..... زَلزلتْ كيَانِى .... ضَحِكَةٌ اسقَطَتْ العلمَ الأبَيّض
وَلمحتُ آيضَاً يَداً تَمتدُ مِنْ بَعِيد .... يَدٌ تَمنحُ قَلبِى الأملَ .... يَدٌ تَدْعُوهُ للنُهُوضِ..
وَلكنَّهُ لَمْ يَستَطِعْ أَنْ يَنهضَ قَطْ ..... كَانَ يَجِبُ عَليّهِ أَنْ يُلمِمَ شظَايَاهُ أوَلاً .....
وَكَمْ كَانَ مِنَ المُستَحِيلِ عَليّهِ أَنْ يفعلَ ذَلِك ! .... وَهَلْ تَعُودُ الرُوحُ إلَى القَتِيلِ
ثَانيّةً ؟!! .... وَلكَنْ ..... مَأذَا إذَا كَانتْ هَذِّهِ الرُوحُ لا تَزَالُ تَنتفِضُ ؟!... لا تَزَالُ
تَزفُرُ أنفَاسَهَا الآخِيرة ؟! ......
أخذتْ اليَدُ تَقْتَرِبُ وَتقْتَرِبُ ، ومَا زَالتْ تِلكَ الضَحِكَةُ الغَامِضَةُ يتَردْدُ دَوُّيُّهَا فِى
أعمَاقِى ، وَيتردْدُ .....
وَيتردْدُ .....
وَيتردْدُ .....
وَمَازَالتْ الأمطَارُ تتسَاقطُ عَلَى جسدِى المُلقَى علَى الأرضِ ، وتتسَاقطُ ...
وتتسَاقطُ .....
وَتتسَاقطُ .....