قال لي: ألا تتحدث عن المجازر الرهيبة التي تدور رحاها، في أرضنا المحتلة، على البرآء الآمنين من الأطفال والنساء والشيوخ. كما يتحدث الآخرون في سائر مدننا العربية وسائر أجهزتها الإعلامية؟...
قلت له: إن أي رسّام، يستطيع أن يصف بريشته الفنية هذه المآسي وأن يعبّر عنها بأبلغ مما أملكه ويملكه غيري من اللغة والبيان، وإن صاحب أيّ (كمرة تلفزيونية) محمولة، يستطيع أن يرسخ صورة هذه المجازر المرعبة، بأبلغ مما يملكه الخطباء والشعراء... فما عسى أن تصنعه ريشة الرسامين وكمرات المصورين، لإنصاف البرآء ومعاقبة المجرمين السفاحين؟!
قال لي: فما لك لا تحتج كما يحتجون؟
قلت له: إن أدراج مكاتب الأمم المتحدة تتسع لآلاف النسخ من الاحتجاجات.
قال لي: فما العلاج؟
قلت له: أن تتجه الأوامر إلى سفراء إسرائيل في بعض بلادنا العربية بالطرد، وأن يوجه مثل ذلك إلى سفرائنا المقيمين بين ظهراني أولئك السفاحين، بعودة كريمة إلى أوطانهم وقواعدهم، وأن تمزق ورقة الصلح الزائف والاستسلام المهين، وأن تعود بقايا أيام الشرف في حياة أمتنا، أيام المواجهة والجهاد.
قال: ولكن العرب لا قبل لهم بهذه المواجهة، كما تعلم.
قلت: ذلك لأن العرب حكموا على أنفسهم بما تقول.
قال: كيف؟
قلت: لأنهم حكموا على أنفسهم بالتفرق، فالتخاصم، فالشقاق..
قال: بل حكمت عليهم أمريكا بذلك!..
قلت: إن أمريكا ـ ومعها العالم كله ـ لا تستطيع أن تحيل مودة ما بين الأشقاء إلى خصام وشقاق، إذ ليس على القلوب سلطان إلا سلطان خالقها عز وجل.. ولكن أمريكا نظرت، فوجدت أن قلوب الأشقاء فارغة عن الأخوة التي عقد الله رباطها بين عباده المسلمين، مليئة بحب التنافس على الأموال، والكنوز السوداء والصفراء، والمتع والزعامات.. فوظفت هذه المشاعر الرخيصة الهابطة لمصالحها ومصالح الصهيونية العالمية فأحالت التنافس إلى صراع، والصراع إلى صدام.. ثم إنها سعت سعيها اللاهث من وراء هذا الدخان المتصاعد من حنايا تلك القلوب، فأنجزت أهدافها على طول بلادنا العربية الإسلامية وعرضها، وتركت الصهيونية ترقص على جراحاتنا التي كنا ولانزال نحن أبطالها ونحن المسببون لها.
قال: فإن اتحدت الأمة العربية، فما الخطوة التي يجب أن تعقبها؟
قلت: هي المجابهة والجهاد.. وقلت: هما خطوتان لا تغني الواحدة منهما عن الأخرى، لا فائدة من الجهاد بدون وحدة، ولا معنى للوحدة بدون جهاد.
قال: ولكن الجهاد موجود، ألا تسمع عما يجري منه اليوم في الجزائر وفي أفغانستان؟..
قلت: نعم، إنه الجهاد ذاته الذي تقوم به إسرائيل أيضاً. أليس الجميع يديرون رحى هذا الجهاد على المسلمين البرآء تقتيلاً وتقطيعاً؟!..
إنها منافسة واحدة على طريق واحد ابتغاء هدف واحد وذات مضمون واحد وتسمية واحدة. فاختر لها من الأسماء ما شئت.